تيسير نصرالدين- مشرف عام
- عدد المساهمات : 232
تاريخ التسجيل : 17/09/2010
من طرف تيسير نصرالدين الإثنين ديسمبر 13, 2010 6:32 am
هذه المدينة القديمة المنبثقة من فوهة البركان الجاثمة على صدره الخامد, المتبقية من ذاكرة البازلت في قلب التاريخ ,
تسرق افكارك وانت تسير في شارعها الحجري المسكون بحوافر الخيل وأصداء الزمن الغابر ,شارعها المرصوف بأحجار بازلتية يمتد الى معالم من المعابد الاثرية , من هنا مر ملوك الرومان بل من هناانطلق فيليبو العربي كي يتربع على عرش روما ,
من هنا مر امراء ومستعمرين ومن هنا مرت جحافل الفرسان ومرت عرائس الرومان ,هنا سجل التاريخ صفحات لا يمحوها الزمن ,ومن هنا يمر عشاقان على عجل بموعد لا يتعدى نظرات متعثرة مرتبكة , من هنا يمر رجال الامن المتعقبين فتياناََ يثرثرون أو رجال صامتون , هنا حيث اقف الان على هذا المنعطف بالقرب من محال عرفتها منذ كنت طفلا ولا تزال على حالها ,تغيرت قليلا معالم هذه الساحة المستديرة , اختفت بعض المعالم القديمة لتحتل مكانها مبانِِ جديدة متواضعة البناء والشكل ,لتيقى نصف دائرة ومنها محل المصور الوحيد والذي كان يغريني أن امر عليه باستمراركي اصافح صاحبه الاستاذ صاحب الصيت الشائع كناشط فكري أو( ناشط سياسي ) ,
قبل ان ادخل حانوت صاحبي ا ستقوفني صوتا نسائيا يناديني باسمي , التفتت خلفي وإذا هي فتاة اعرفها جيداََ لم تفاجئني رؤيتها بل فاجئتني جرئتها وسفورها ومباشرتها في الحديث وهي الفتاة التي كنت اعتقد انها ابتلعت لسانها منذ الولادة , , استوقفتني وجاذبتني الحديث باطالة ادهشتني ,سألتني عن خدمتي العسكرية وعن اجازتي وكم سامكث في قريتنا , لأ ول مرة اشعر ان لها محاجر فسيحة وأحداق أنثى تبحث في مشاع الوجوه عن مأوىََ لنظراتها , والأغرب في الامر أنها سالتني نقوداََ لتستلفها مني ,
ربما لوكان المبلغ الذي طلبته كبير لاحرجتني , وقبل ان اقول اي كلمة استللت من محفضتي المبلغ وقدمته لها ,قالت سأرده لك خلال يوم او يومين ,صافحتني ومضت ...
للصدفة حدث هذا امام دكان صاحبي وكان يراقب المشهد على مايبدو ,حين دخلت اليه وصافحته لم يسالني عن حالي كما هي العادة و بل سالني من اين تعرف هذه الفتاة , قلت له انها فتاة مسكينة ورائعة في منتهى الادب وهي صديقة لبعض أقاربي ,
نظر بارتباك وقال لي اانت متاكد انك تعرفها جيداََ ؟,
قلت له يارجل اقول لك انها ابنة قرية وقريبة صديق لي وهي تعيش في رفقة بناتنا في المدرسة وأعرفها جيداََ
قال هل يهمك امرها ؟..
قلت له ... جداَ..
تهمني بالتاكيد فهي تماشي بناتنا وشقيقاتنا وهي فتاة على خلق ومهذبة جداََ
قال يؤسفني ان اقول لك ان ذلك ليس صحيحاَ وانا اعرف غير ذلك وعكسه ,هذه الفتاة سلوكها سيئ
واراها تماشي اشخاص غرباء , واراها بصحبة مشبوهة مع بعض الاشخاص ,
لقد صعقت ولم اصدق كل ما قيل وقلت في خلدي لربما هناك التباس في الامر وصديقنا يظلم هذه الفتاة .
قلت له حسنا ساذهب الان استودعك الله , ستقليت تكسيا أ و سيارة طلب كما نسميها وقد تكون سيارة خاصة في معظم الاحيان يستخدمها مالكها للعمل بصورة غير قانونية,واوصلني الى قريتي وانا في حالة من الدهشة طول الطريق الذي يزيد عن ال14 كم وأنا استعيد كلمات صديقي عن هذه الفتاة ,
كانت الإجازة التي علي ان اقضيها في القرية حوالي الاسبوع وكنت اضع رحلات الصيد في المقام الاول في قائمة يومياتي ,
عند المساء كنت بزيارة أحد أعمامي وكن بناته المتقاربات و المقربات من هذه الفتاة كن متعودات على الحديث معي بكل تفاصيل الحياة اليومية ومشاكلها الخاصة والعامة ولاسيما مشاكلهن الخاصة ان وجدت لأنهن كن إناث بلا شقيق وكنت احاول ان اعوض لهن هذا الفراغ واكون الاخ والصديق في ان واحد ,
قلت للكبرى من بنات عمي حدثوني عن هيفاء وعن جديدها , قالت رافعة حاجبيها وبكلام مطوط اه ايضا انت مهتم بها وبشىء من الامتعاض تابعت دعنا منها ومن سيرتها لقد انحرفت ,
انحرفت ؟ قلتها باستغراب وباسلوب فيه بعض اللوم على هذه التسمية , ويحكم ...
كيف تنحرف فتاة مثل هذه المسكينة كيف تنحرف فتاة تشارككن الطريق الى المدرسة وتشارككن الحديث وتبثكم اسرارها وحرمانها وفقرها , لماذا تنحرف وانتن قربها وهي تسمع لكن وتبوح لكن باسرارها
قالت لي ابنة عمي الكبرى لك الحق ان تستغرب ولكن صدقني انها جرحتني واهانتني وانا اسدي اليها النصح لم تتورع ان تقول لي انني اغار منها وأحسدها على حياتها الجديدة ,
قلت وانا ابتلع ريقي هل لك ان تخبريني ماذا حدث بالضبط ,
قالت نعم
حدثت في القرية التحضيرات الأنتخابية وكان الناشطين وبعض الاعضاء والشخصيات الفاسدة التي تعرفها جيدا تعد للأنتخابات وتوزع المهام الادارية على تسيير الانتخابات وكان بالطبع رجال الشرطة والامن لهم الدور الاول في الاشراف على هذه الانتخابات ,
وكانت هيفاء قد شاركت في هذه التحضيرات بمساعدة عمها , هنا استحضرت صورة عمها الذي كان يستنهض ذاته من واقعه المسحوق ويتسلق بطفيليته الفطرية طبقات المجتمع كي يتيح لنفسه مكاناََ في مجالس القوم,
كان شاب ذات تطلع وطموح مشروعان للخروج من واقعه البائس الذي اورثه اياه والده في مجتمع ما زالت روح القبيلة تحكم علاقاته,وجد نفسه مع اقران يشعرونه بالدونية ويتعامل معه الجميع بشيء من التعالي والفوقية ,
هنا بدأ يعمل ويدرس ويبني علاقات قوية مع اصحاب النفوذ وانخرط في صفوف الأنتهازيين من بائعي الكلام و الضمائر واضبح عضواََ عاملاََ بالحزب والمخفي أعظم , هكذا قام بدور كي يجعلها احدى المشرفات على صناديق الاقتراع ...
هنا في هذا المناخ حاولت الفتاة ان تتغلب على الخجل المستعصي في شخصيتها وحاولت ان تنصهر في هذا الجو الذي يحتوي على مزيج من التناقضات ,ومع أول تجربة لها أمام قطيع الذئاب سقطت هيفاء ولم تستطع ان تنجو بنفسها طالما ليس هناك من يعف للقمة محرمة كثمرة الله في الجنة ,
هنا وعلى مراى من الجميع بدأت الفتاة رحلتها السافرة , تسير في وضح النهار وتذهب الى حيث لا يجب ان تذهب وتحادث من يجب الا تحادثه تصطحب الحافلات في زيارات خارج القرية وتعود تسير أمام اهل القرية بخطاََ لا مبالية بين ما العيون تلاحقها وتنهشها تشرحها وتطعنها وتتعدى على خطواتها واصبح كل شاب تافه وذميم وبلا شرف يلاحقها ويعرض عليها وعود كاذبة كي يوقعها بحبائل العبث والأنحطاط ,
عرفت كل هذا من بعص الاصدقاء لكن القسم الاكبر قد عرفته منها بعد لقائي بها .
بعد الحديث مع قريبتي عن هيفاء شعرت بخيبة امل كبيرة , لا ادري لماذا لكني شعرت كأننا تعرضنا لعملية غدر مدبرة ,شعرت ان هذه الفتاة تعنيني كأية واحدة من قريباتي او شقيقاتي وبقيت طيلة الوقت غير قادر أن انسى ما حدث وما سمعت واصبح الأمر يعنيني جداََ,في اليوم الثاني بينما كنت جالسا مع افراد عائلتي جائت الفتاة وكانت قد ظهرت منذ دخولها المدخل الغربي لدارنا حيث نستطيع ان نرى القادم من لحظة دخوله ,وكانت شقيقتي وصديقتها قد امتعضتا حين رأينها وتمنعن عن مقابلتها , خرجت ملاقيا لها كي انقذ الموقف وبعد ان القت التحية مدت يدها بالمبلغ الذي استلفته مني شاكرة لي موقفي, دعوتها للدخول لكنها اعتذرت وكانت هي بدورها تأخذ موقفا من قريناتها وكأنها تتجاهل حضورهن ,قلت لها اريد أن أكلمك ايمكنني مقابلتك , قالت وهي تنظر الي ببعض اللامبلاة حسنا ماذا تريد مني ؟, قلت لها كل خير , اريد أن اسمعك واتحدث اليكِ وليكن ذلك في بيتكم او بيت عمك كما تشائين , اجابتني على الفور حسنا أنا سأذهب فورا الى هناك إلى بيت عمي ,قلت لها حشنا ساتبعك بعد قليل ,ثم ودعتني وانصرفت, دخلت البيت كي أحضر نفسي للخروج ولم أنسى أن أأنب شقيقتي وصديقتها على موقفهن وسط نظرات أمي التي أشعرتني بتعاطفها معي وكأنها تبارك موقفي لأنها كانت أكثر الناس قدرة على معرفة ما أضمره ,وكون والدتي بطبيعتها تميل الى الوقوف بجانب الضحية أو المظلوم , خرجت قاصدا بيت عمها وسط اضطراب فكري ونفسي لهذه الفوضى الفكرية التي تنتابني املا تحقيق ما اصبو اليه وأن يكون موقف عمها ايجابيا ويستوعب حجم الكارثة ويتجاوب معي في معلاجتها ,
عند وصولي الى بيت عمها المحاذي لبيت وحيد يشاطره الإنزواء قليلاََ عن بيوت القرية , رايت هيفاءمن بعيد تجلس في الفناء الامامي للبيت مما يدل على عدم وجود عمها في المنزل ,
كان البيت المجاور لبيت عمها بيتاَيوحي بعدم الطمانينة وكأن تصميمه المربع كصندوق خشبي ذات النوافذ الصغيرة المطلة على كل الجهات يتناسب مع ساكنيه المنغلقين على انفسهم والمتربصين لكل عمل سيء , حاولت ان احسم امري وانا اتقدم باتجاه بيت عمها واضعا في الحسبان الظن السيء لهؤلاء المتربصين وكنت اشعر بعيون تتابع خطواتي وانا اسير محاذيا لهذا المنزل وكوني رايت من خلف الزجاج خيالا ما يراقبني اصريت على الاستمرار باتجاه بيت عمها حيث تنتظرني هيفاء
كانت هيفاء مطمئنة جداََ والهدوء بادياَ على ملامحها حين بادرتها بالتحية ,جلست على حافة الردهة الامامية للمنزل حيث كانت وحرصت على جعل المسافة بيني وبينها رادعة لأصحاب النوايا السيئة’
قلت لها بدون مقدمات أنا اتيت وتبعتك كي اساعدك’ لا ادري كيف اعرض نفسي عليكي ,ولا ادري مدى استعدادك لتقبليني كصديق أو أخ أو أية صفة مجانية تدخل الأمان الى قلبك,
كانت نظراتها فيها قولا كثيرا وربما تهكماََ خفيا ,ربما قالت في سريرتها ايها الجبان أنا لا اريد أنبياء ومبشرين ولا اريد واعضين , أريد منقذا فارساََ وحبيباََ مقداماََ يشهرني زوجة بوجه هذا المجتمع الجائر والمريض, يقبلني ويحبني على ما أنا عليه وبما انا فيه بفقري وخيبتي وشوائبي
,قالت.يابتسامة لاذعة’ ماذا.؟ منظّرا جديداََ من أصدقاء عمي ؟
قلت... ربما, لكن هدفي نبيلا وغايتي المساعدة المجانية وهذا قد تستغربيه بعد تجربتك السيئة .
وربمايستهويني أن أحمل صليبي لأحمل خطيئة غيري
أوأكون شاهداََ على حسن سلوكك وبياض طوقك وشاهد على ذبحك ’أنا لا اريد منك اي شيء لا ادري اذا كان يغضبك ام يسعدك , لكن اقسم لك انني لا اريد اي شيء ولا غاية لي سوى مساعدتك ’ أنا أدعي انني أعرف معاناتك وأسبابك وأنا مستعد لفعل كل شيء يساهم في خلاصك مما انتي فيه,أنتي رميتي نفسك في نار جهنم وسقطتي فوق هذا الهشيم الذي سيحرقك ,
لقد سمعت عنك حكايا لا تصدق ولا يمكنني ان استسيغها, وسواء كانت افتراء او حجة عليكي لا بد لكي ان تخرجي وتصعدي من جديد الى سلم المجتمع وأن تعيدي اليك نفسك او تعودي اليها ,
قالت بذات الابتسامة الاذعة وبحدة لا تخلو من ا لأنكسار لا لا احد يعرف وجعي ولا حتى اقرب الناس او من المفروض ان يكون اقرب الناس كأمي وأبي وأخوتي, حتى عمي الذي كنت منبهرة به ومعتمدة عليه لقد خذلني ,
كنت المح من النافذة المقابلة شخصا ما يتلصص علينا وكنت اتمنى في بادىء الامر ان يعود عمها سريعاََ لكن حين لاحظت ان هيفاء بدأت تنطلق بالحديث وبجرأة وشفافية لم اتوقعهما بدأت ادعو ان لايرجع قبل ان تفرغ جرابها الذي بدأت بفرطه على مسامعي ,
قلت لها لكن عمك هو الوحيد الذي سيعيدك الى فلكك الاجتماعي وهو من سيسدل الستارة اذا اردت ان نتفق على نهاية المسرحية ,
نظرت الي نظرةلم استطع ان احدد ذاك البريق المنبعث من محاجرها ,كانت لها عمق طفولي واهداب انثى بالغة الانوثة
,قالت لي باسمة... وجودك الان معي سيسيء الى سمعتك وسيضعونك في قائمة الخطّائين ,قلت لها هل تثقين بي؟ .
قالت على الرغم ان ما حصل لي كان كله لأنني وثقت لكن لا باس ,
قلت لها وهل تعدينني ان تكونين صادقة معي وتخبريني عن كل شيء بالتفصيل , أنا لا اريد ان أعرف فضولاََ أو تطقلاََ بل اريد ان تفصحي عن مواجعك وتطلقين عنان الخبايا التي أوقعتك في براثن الذئاب ,تكلمي انت وأنا ساستمع ثم ساتكلم انا وانت ستستمعين ,
قالت حسناََ
لن اطيل عليك بتفاصيل العوز والحاجة التي عشتهما ,
فقرنا وومظهرنا وثيابنا تدل على حالتنا ,ولو ان بعض الصديقات من اقراني كن يمنون علي بثيابهن القديمة لأشعر طيلة الوقت أن القطعة التي ارتديها تنخز جسدي كشوك القنفذ هذا عداك عن الشعور الدائم بالدونية والتقلص امام الجميع من قريناتي البنات , كل هذا الشعور كان يطوي حتى الاحلام الوردية لفتاة بمثل عمري ,كانت المرحلة الإعدادية اقل ثقل على نفسي.. أولاََ لقرب المسافة من المدرسة على الرغم انها كانت تحتاج لأجرة النقل
وكان عمري لا يسمح للمعجبين من زملاء الدراسة باكثر من نظرة او كلمة خجولة تلقى على مسامعي من حين لأخر ,
لكن المشكلة بل المأساة بدات في المرحلة الثانوية حيث اصبحت المسافة بين البيت والمدرسة ابعد واكثر تكلفة , كانت الخيارات تكاد تحيل بيني وبين اكمال الدراسة لعدم قدرتنا على توفير اجرة الطريق كل يوم ذهابا واياباََ من وإلى المدرسة الثانوية التي كانت تبعد اكثر من اثنا عشرة كم عن قريتنا , في هذه المرحلة بدأت اشعر اكثر بجور الحياة علي
بدأت اواجه هذه المصاعب اليومية وجها لوجه وكان لا بد من وجود حلا كي استمر في الدراسة فكان البديل ان انام في بيت عمتي الكائن في هذه المدينة الصغيرة حيث توجد الثانوية , كان هذا الحل الانسب على الرغم من كل تداعياته وخلفياته ,
كانت عيون هيفاء تطفح بالبريق المبلل كل ماقاربت على كشف سر من اسرارها , تقول عيونها اكثر بكثير مما يقول لسانها على الرغم من عدم تحفظها ,
تابعت بعد ان صوبت نظرها باتجاه الافق , أنا أعي وأتحفظ على كل ما يفرضه علي المجتمع بل وأتمتع بخلق يساعدني على سلوك سوي وملتزم بكل قيم المجتمع المطروحة في ميزان الاخلاق التقليدي ,
لأن مجتمعنا مجتمع استعراضي ومنافق وجبان , خاصة نخبته المريضة من جيل الشباب المدعي لأفكار خلاقة لا تتعدى في سلوكهم أحاديث المجالس المسائية بكلمات تطرب المتعطشين لقيم جديدة متحررة من الشوائب خاصة من النشأ الجديد كحالتي ,كانت مشكلتي كبيرة ومعقدة والهوة ما بين طموحي وواقعي المتأرجح في حبال الفاقة والعوز وحال اسرتي المنهكة فقراَ وجهلا وموقعي كانثى بكر لهذه الاسرة في سلّم الاولاد جعلني ابحث عن سند يساعدني على السير باتجاه الحلم والطموح كأنسانة أولا وكأنثى ثانيا , وكان عمي الشاب المنبعث من ذات البيئة الفقيرة قد بدأ الانخراط في صفوف المجتمع والباحث لنفسه عن مقعد في الصفوف الامامية سواء كان في المجالس العائلية أو في المجالس الرسمية , كان يتخذ لنفسه مظلة من الصداقات والعلاقات التي تقيه من مبضع الفرز العائلي واستبعاد الجهات الرسمية فاستطاع ان يجد لنفسه مكاناََ مع ثلة من لانتهازيين وطفيلي الثقافة ,من هؤلاء كان طالب الحقوق المرموق الذي اصبح قاضيا ذائع الصيت والاستاذ المخضرم الذين تدرجوا اليوم الى اعلى المناصب الفضفاضة على قاماتهم المسخة ,
كان الأستاذ المحامي يحاصرني بالكتب النفسية التي تضر اكثر مما تنفع لقارىء غير متخصص خاصة لفتاة مثلي تعيش سن المراهقة على حواف التشتت في حالة من القلق والتوتر والاضطراب النفسي نتيجة لما كان يحصل معي من مواقف وظروف غير عادية ,كانت كل الظروف التي تعرضت لها اقل من ان تسقطني أو تخل بتوازني , لقد تعودت على الفقر وتعايشت معه بل تاقلمت معه وتعودت على فوقية الصديقات وعطف الطيبات منهن , تعودت على تجنب البعض من الأقتراب مني وكأنني وباء ,
تعودت على الجفاء وعدم الحميمية من معظم اقراني الذين كانو يتسابقون للنهوض في االحافلة ا لصباحية التي كانت تقلنا الى المدرسة لتقديم مقاعدهم لبعض صديقاتي لكن لم يكن يفكر احد منهم بفعل ذلك معي ,نعم تحملت كل هذا وكان قد اصبح من اليوميات المعتادة , لكن عند انتقالي الى الثانوية العامة حدثت تغيرات جذرية قلبت معها جميع الموازين وجميع السواتر التي حصنت بها نفسي ,
3
اصبح علي ان اذهب الى الثانوية العامة بتكاليف اكبر قد تطال ثمن الخبز الذي يقتاته اخوتي وافراد اسرتي وكان ذلك يتطلب قراراََ بان اتبع دراستي او امتنع وقد فكرت ان امكث في البيت متابعة دراستي الى ان يحين تقديم شهادة الثانوية العامة واقدمها تقديم حر , لكن وجود عمة لي في هذه المدينة اتاح لي ان اجد حلاَ اقل مرارة وهو ان اسكن معها
كل السبوع واعود في نهايته, بذلك اتخلص من تكاليف المواصلات , وهذا ما حصل فعلاََ
كانت عمتي طيبة وودودة لكن افراد اسرتها المكونة من ولدين وبنت لكل منهم عالمه الخاص,كان نديم اصغرهم وهو في الرابعة عشر من عمره
وكان نادر الولد الاكبر يؤدي الخدمة الالزامية في الجيش انذاك وكان يأتي في إجازة مرة او مرتين كل شهر, وكان لا يختلف عن شقيقته مسلكيا فهو من ذات التربة والنطفة وإبناََ لذات البيئة وذات الخلق , لم يكن يابه كثيرا للقيم ولم يراعي الأعراف والتقاليد كان يسوف مفاهبم القيم على قياسه وهواه ,كان يتعامل معي كجارية في بلاط سلطانه وكان له سطوة علي لم أمنحه اياها ولم اشجعه عليها , لذلك كانت الضريبة التي ادفعها مكلفة لهذه الضيافة باهضة الثمن , تسيت أن اقول لك أن زوجة عمتي يعيش في لبنان حياته الخاصة ول يأتي الا في ما ندر وأخر مرة قدم فيها كانت منذ اربع سنوات ومن حينها لم يراه أحد سوى نادر الذي كان عنده قبل الالتحاق بخدمة العلم , هذا الرجل قد اختار لنفسه طريقا غير سوي ,يعلش مع امرأة اخرى يعيش على هواه غير عابئا باسرته وزوجته وربما هذا السبب جعل من هذه الاسرة اسرة غير متوازنة ,
كانت هيفاء تحدق في الفضاء كي تتحاشى الإنكسار الذي يطل من عينيها واحيانا تتعثر بالكلمات
كنت اشعر ان هناك اسرار لا بد ان تموت في الظل ,هناك بعض الاسرار محرمة على الاجهار بها ,على الر غم من الجرأة التي بدت ومن الثقة التي منحتني اياها كان في حديثها شيئ يفوق شجاعتها عن الافصاح به ,
تتابع هيفاء
, كنت اقوم بمساعدة خالتي في اعمال المنزل لأن ا بنتها التي تكبرني بعامين كانت غير مكترثة باعمال المنزل وكنت اقاسمها غرفتها في النوم , كنت سعيدة في بادىء الأمر لكن تصرف ابنة عمتي كان مثيرا وكانت تمارس علي سلطة السيد و كيف لا وهي صاحبة البيت ومضيفتي وقد حددت من حريتها كثيراََ ,
. كان بيت عمتي ذات طبيعة ريفية على غرارالعديد من البيوت المجاورة لمنطقة الاثار الرومانية , كان البيت مكوناََ من اربع غرف متلاصقة ومطبخ ومرافق خارجية , ولكل غرفة باب مستقل على فتاء الدار وكان الدخول والخروج متاح ليلاََ للذهاب الى المطبخ او لقضاء حاجة ,في صحبة ابنة خالتي ومن خلال احاديثنا الليلية كانت تحدثني عن اسرارها وتبوح لي باحاديث مرعبة لفتاة مثلي , فهي على علاقة بشاب تقول انها اتفقت معه على الزواج وكانت تلتقي به او تنفرد معه بلقاءات حميمة
كنت اعتقد انها تاتمنني على سرها بدافع الثقة والصداقة , لكنها طلبت مني ذات ليلة ان اتظاهر بالنوم اذا ما جائها زائراََ
كان الدوار الذي اصابني اشد من رخاوة الكلمات التي تفوهتها وكان احتجاجي ياساََ ضعيفاََ قلت لها لا يمكن ان اقبل بدخول غريب الى مخدعي هذا فظيع , وكانت ابنة عمتي تمتلك من الوقاحة أن تنبهني اني ضيفة ثقيلة وقد افسدت عليها حياتها وحرمتها من خصوصياتها بسبب اقتحامي حياتها , كانت قد ايقنت انها وضعتني في حالة من لرضوخ لو اقدمت على دعوة زائرها الليلي ,وحدث هذا فعلا, استيقظت في إحدى الليالي على همس غريب في الغرفة وكنت أعتقد أنني احلم كانت الاتفاس المتقطعة والهمس المنحبس يدلان على ما يخبئه الظلام , وكان الامر لا يحتاج الى اجتهاد وعناء لفهمه ,بدأت فرائصي ترتعد وقد اصابني ارتعاش من الخوف والرهبة والفظاعة ,كدت أن اموت من الصدمة
فحبست انفاسي وكنت ابلع ريقي ودموعي, ,
توقفت هيفاء قليلاََ لتستل من جيبها منديلاََ , تمسح به دموعها.
هنا استوقفتني عباراتها امام ذلك المشهد الذي حاولت ان تخفي ملامحه بقفزها فوق التفاصيل ,
ورايت بأم خيالي تلك المواسم المدثرة بالصقيع ..مواسم تغرق بالانوثة وتزهر براعم شوكية ,
تخيلت اي الم يحدث وأي خراب يحدثه الجوع ,
ما اصعب ان تتضور حبا وحناناََ وأماناََ وجوعاََ وكبرياء ايضاََ ,
كل هذاتخيلته بلحضات قليلة قبل ان تدركني هيفاء بصوتها متابعة
تخيل ان تعيش هذه الحالة فتاة مثلى لم تتجرأ يوما ان تصل الى ذلك حتى في خيالها ,
بقيت الارض تدور بي
إلى ان شعرت بشبح يغادر الغرفة فأجهشت بالبكاء و قلت لها اية وقاحة وسفالة هذه التي تمارسها ,
وبختها وشتمتها .. لكنها اتهمتني انني معقدة وساذجة ولا اعرف عن الحب سوى تفاهة المحاذير منه ولم أنم بعد ذلك سوى هنيهة عند انبلاج الضوءحيث شعرت ببعض الامان فنمت, استمر الحال بي على هذه الحالة وقد تكررت لقاءات ابنة عمتي
بزائر الليل الذي تسميه حبيبها طيلة العام الدراسي , وكنت قد قررت ان لا اتابع دراستي النظامية وأن أتابع دراسة حرة الى ان يحين تقديم الأمتحانات للشهادة العامة وهذا ما حصل فعلاََ ,
لكنني لا اخفي عليك ان هذا العام قد ترك شرخاََ عميفاََ في نفسي وكياني وقد سبب لي اظطراب عانيت منه كثيراَ
تسللت الى نفسي على اثره مشاعر غريبة لم اكن اعهدها بي , أصبحت اشعر انني احقد على البعض وأحياناََ أكره نفسي تسللت من بين مسامات الحلم رياح كانت هادئة في بادىء الامر وبدأت تشتد داخلي ,
كلما طفحت انوثتي كان يضيق صدري ويضيق ملاذي .
اصبح الخواء يعمني ..معدة خاوية, مشاعر خاوية ,حلم ومستقبل خاويان ,واصبحت مقاومتي اقل حدة, تغيرت فجأة وبسرعة قياسية ,ربما يصعب علي أن أبين كافة التفاصيل وربما يصعب علي أن أراها .
في هذه اللحظات كنت ارى هيفاء بملامح مختلفة كأنني اتعرف عليها للتو , كانت تلك النظرة المتعثرة بالدمع تارة وبالأمداء تارة أخرى تضفي عليها بريقا يضيء أعماق نفسها , كنت أرى الصدق في خباياها وأسمعه في نبرات صوتها ,
وهنا تنفعل قليلا ويتهدج صوتها فأعود اليها باندهاشي وأصغائي الرزين,تتابع هيفاء ..
لا ادري كيف افسر ذلك,كنت كمن كان كفيفا َ وأبصر النور فجأة , كمن استيقظ من نومه ليجد نفسه في مكان اخر ,شعرت بشرخ ما داخلي وشعرت بانكسار في روحي وقلبي وخاطري ,لقد انتابني شعور غريب تماما كمن يسير بنومه,تبدلت احاسيسي لم يعد يتملكني الخوف تساوت الالوان والمسافات والصعود والسقوط ,تساوت القيمة بالناقصة والحسنة بالسيئة ,لم تعد تقلقني علامات حسن السلوك التي يكيلها المجتمع , صرت اشعر بالاستعلاء على هذا المجتمع وكأنه اصبح اصغر مني واصغر من ان يقيمني ,شعرت اني اصبحت قادرة على ضرب كافة الضوابط والقوانين عرض الحائط ,لذلك قررت أو قل وجدت نفسي انقاد باتجاه لا أعرفه ربما اصبت بحالة انفصام بشخصيتي ,لأنني لم عد أكلف نفسي مجرد التفكير بتصرفاتي وجدت الجميع يدعوني باتجاهه,اقسم لك انني وجدت نفسي وسط غابة من الذئاب لم اجد احد من الرجال الذين حولي محصن باخلاق او قيمة تجعل أحدهم يراعي ما أنا به , حتى بعض المتزوجين وأصحاب بعض المراكز لا أقول المرموقة بل الحساسة كانوا يحاولون ان يقتنصو ما ملكت ايمانهم من فتاة لم تكمل عامها السابع عشر بعد بمن فيهم مدرسين وذلك الرجل الخمسيني الفاضل والذي درسني وكنت طفلة على مقاعده , ما اشد قسوة هذا المشهد , صدقني وأنا أرى نفسي اسير بعكس السير بكافة الاتجاهات الممنوعة, حيث تطاردني العيون, ترمقني عيون النسوء بالقسوة والطعن المجاني وتنهشني عيون الرجال بالرغبة والاشتهاء ,كأنما الجميع يريد استباحتي
,كانت الخطوة الأولى بهذا الأتجاه حين وجدت نفسي في وسط من الحراك المحموم في مدرسة القرية , عندما قادني عمي للقاء اللجنةالانتخابية بصحبة امين الفرقة الحزبية وأوكل الي العمل بصحبة مجموعة كانوا أغراب عن القرية, كان ذلك مقابل مبلغا سيدفع لي بعد الانتهاء من الإنتخابات من قبل اللجنة المذكورة ,بدأت العمل وانا في حالة من الضياع وسط شعورا بالتوتر وبعض الاشمئزاز من الابتذال الواضح في تصرفات الجميع وعلى وجه الخصوص من شخصان في المجموعة اتضح لي فيما بعد أنهما عنصرا امن ,بدأت اشعر ولأول مرة بفراغ مخيف داخلي , صرت أرى نفسي بصورة أخرى كأنني أضع على وجهي قناع اخفي ملامحي , كنت اشعر بثقل في قدماي ووهن في نفسي ,وعرفت جيدا أن هذا ليس بالمكان المناسب لمثلي,حاولت أن اقول لعمي ذلك فثار وغضب واشعرني انني معقدة وعاجزة وغير جديرة بفرصة وفرها لي تباكى عليها العشرات ,بعد مضي اليوم الأول والثانيب بدأت أتقبل هذا الواقع و وجدت نفسي إنسانة أخرى مختلفة عن طبيعتي ,صرت أحدق بالوجوه
بقوة لا أعرف سرها وأنا التي كنت أكسر نظرتي امام الجميع ولا اقوى ان ارفع بصري بوجه محدثي إن كان رجلا أم انثى,صرت احدق بعيون من حولي و أخترق وجه ذاك المخبر أو رجل الامن الشاب بطريقة عنيفة وكأن أحداقي أصبحت من زجاج ,بدأت أرى الاشياء والناس والتصرفات كأنني أراها لأول مرة , كأنما فتحت نافذة جديدة على العالم أرى الاشياء منها كصندوق الدنيا,وأصبحت ادقق في الاشياء من حولي اراقب أبحث خلف الكلام عن الكلام ,وفي العيون ما خلف العيون , رأيت عمي الذي بهرني منذ نشأتي بكلامة المتكرر عن المروءة والشهامة والكرامة والكبرياء , كيف كان مرتبكا مسلوب الارادة والشخصية في حضرة هؤلاء , كان متكلفا بجميع تصرفاته مزيفا ومنافقا, يتجاهل حتى معاكسات ذلك الشاب غير اللائقة معي
وكانه قدم من مكان اخر ,تذكرت ابنة عمتي ووزائر ها الليلي , تذكرت احاديث صديقاتي البنات عن معاكسات الفتية لهن ,
رأيت أن من يعطي شهادة حسن السلوك في هذا المجتمع حفنة من التافهين المنافقين ومجموعة من المرتزقة على ابواب العلم والثقافة بل ومع الاسف قيّيمين على مقدراتها ,ربما أكون قد بالغت انذاك في محاكمة الجميع كي أجد لرغبتي في التمرد طريقاََ , خاصة انني وجدت الأقبال على محادثتي وملاطفتي قد ازداد, صرت أحظى باهتمام البعض وصرت الفت نظر البعض الاخر .
هنا خطرت لي فكرة ربما اوحت الي بها هذه النبرة المتمردة في صوت هيفاء وربما وجدت في مصطلحاتها المختارة وطريقتها في التعبير مبررا لسؤالي
, هل كنتِ تقرأين كتبا معينة أثناء أو قبل هذه المرحلة ,
أجابتني بسرعة طبعا كنت أقرأ بنهم وبنشاط كانت الكتب التي يغدق علي بها اصدقاء عمي المثقفين كثيرة ,
قلت هل يمكنني أن أعلم بعض هذه الكتب أو بعض العناوين , قالت هي كثيرة جدا , قلت بعضها
قالت لقد قرأن دروب الحرية لسارتر و الجدار وقرأت لكاتب اخر لا اذكر اسمه كتابان (الإنسان وقواه الخفية ,.وطقوس الظلام )وأخر كتاب قرأته كان بعنوان ( دع القلق وأبدأ الحياة ) لا أخفي انني وعلى الرغم من ادعائي انني قارىء نشيط أنذاك لم أكن قد توصلت لهذا المستوى من القراءة كنت قد قرأت لجان بول سارتر معظم اعماله لكنني اعترف لكم الان أنني لم استوعبه جيداََ , وكنت قد عرفت كولن ولسون كأسم يتردد على السنة بعض الاصدقاء( المتعثقفين ) وقرأت كتا ب الإنسان وقواه الخفية وكدت أن اصاب بانفصام شخصية , ذكر هيفاء لعنوان دع القلق وابدأ الحياة استفزني
لا أدري لماذا هذا العنوان استفزني ودفعني للحديث عنه مع هيفاء جعلني أكتشف سرا ربما كنت به على حق أن هذا الكتاب هو الذي دفع بهيفاء ألى ما وصلت اليه , خاصة أنني وجدتها متأثرة ببعض المقولات الواردة في فصول هذا الكتاب ’ هنا أنا لا أقلل من أهمية اي من هذه الكتب لكن القراءة كالبناء تحتاج إلى اسس وقواعد متينة ومواد ثقافية تستطيع أن تتحمل ما يليها من ثقل فكري , فلسفي , فني , أدبي الى اخره ,
لذلك سألت هيفاء اذا كان هذا الكتاب مازال لديها أجابت بنعم
طلبت منها استعارته
قالت اسفة إنه ليس ملكي هو للأستاذ جهاد وقد طلب مني قراءته
قلت لها اعيريني اياه فقط يومان او ثلاثة بالكثير وسأعيده لك قبل ان تنتهي اجازتي
قالت حسنا اذا اردت اعطيك اياه هذا المسا
هكذا وبعد الحديث الذي استمر حوالي ساعتين تخللها مشاهد اخذت بعض تعليقاتنا انا وهيفاء كالظل الذي يتلصص علينا خلف نوافذ ذلك البيت أنهيت لقائي معها ووعدتها ان أزورها في بيت اهلها بصحبة عمها هذا المساء ,
كانت علامات الرضى والسعادة بادية على هيفاء
كانت نظراتها تقول الكثير الكثير وقال لسانها ايضا كلمات من الشكر والإطراء وخرجنا معا لتتجه هي جنوبا باتجاه بيتها وانا شمالا باتجاه بيتي ليخرج المتلصص من بيته وهو شاب يدرس الطب ويلقي علي تحية سيئة المعنى والتوقيت والزمان والمكان كأنما يوجه لي رسالة تخفي ما تخفيه .
لكن حالتي النفسية وتأثري بما حدث وما سمعته جعلاني اضع في قرارة نفسي هدفا اسمى وانبل من مثل هذه التلميحات , ابتسمت له بتسامة لا تخفي ملامح الإزدراء التي ارتسمت على قسماتها وتابعت سيري,
,كان الوقت المتبقي من النهار ساعات قليلة وكان علي أن أجد فيما تبقى أفضل السبل للوصول لما اطمح اليه , كانت علاقتي بعمها قد توطدت في مرحلة معينة خاصة في معسكر الشبيبة وبعض المناسبات الأخرى , في بادىء الأمر أخذت طابعا قويا باتجاه الصداقة لكنها بدأت بالتراجع كلما اقتربت من معرفة خبايا هذا الشاب أكثر , قضيت حوالي سنة على مقربة منه وكانت هذه الفترة كافية بأن أتعرف على الخراب الذي يعم نفسه ,وبالتأكيد عرفت نقاط ضعفة ومكامن السيطرة عليه فكريا ََ
لذلك حين التقيته قبيل المساء بقليل بالغت بالتودد إليه وناقشت بعض التفاصيل الشخصية التي كان يسمح لي بالتطرق اليها حول مستقبله وارتباطه العاطفي ومن ثم طرحت الأمر الذي أتيت من أجله ,
قلت له دون مقدمات لماذا لم تخبرني عن هيفاء وما الت اليه هذه الفتاة من سوء حال ؟.
بكثير من الإرتباك أخذ يجيب بشكل غير منسجم وغير دقيق ثم أخذ يلقي اللوم على الظروف تارة وعليها ثم على المجتمع وكان ارتباكه مبررا لدخولي في سياق الحديث وأخبره انني التقيت بها وتحدثت طويلا اليها وعلمت الكثير الكثير من المعطيات والتفاصيل في حياتها وسمحت لنفسي أن أأخذ زمام المبادرة والتحدث باسمك بكثير من الثقة كي نساهم معا بمساعدتها ,وكوني على ثقة أنك لن توفر جهدا لمساعدتها وأعلم انك تعرفني جيدا وتعرف مقاصدي وسلوكي قد وعدتها أن نذهب اليها هذا المساء أنا وأنت ,
شعرت بتغير على قسمات وجهه وكان الحرج والإنزعاج باديان على وجهه ,قال بحدة أنا طلبت منها ان تقبر نفسها في المنزل ولا تغادره لكنها تمردت علي وعلى الجميع وتحدتني بطريقة لا يمكن أن اسامحها عليها ,قلت له هدّأ من روعك ولنتحدث بحكمة ومنطق , الفتاة لا تتصرف بكامل ارادتها وعقلها وأنا وأنت نعرف خامتها النظيفة وأخلاقها الحسنة , ما حصل كان انهيارا نفسيا لهذه الفتاة بعد أن عصفت داخلها زوابع العاطفة وأنواء الفكر , بعد أن بلغ الحرمان من كل شيء حد الإحتضار , هيفاء وبفضلك وفضل الظروف والمجتمع اصبحت رهينة لنظريات لا تغني عن دفء ولا عن جوع أوكساء , قبلت مجموعة ظروف تحت وطئة الحاجة وتحت وطئة الأخلاق والعيب والخجل والحرمان , تحت وطئة الحلم والأماني , كانت جميعها تدفع عودها الطري وعقلها الباحث عن أجوبة لكل تساؤلاتها يسقطان أمام هذه الرياح التي وضعتها أنت في وجهها ,
قال بشيء من الإحتجاج, أنا..؟ وما شأني بكل تصرفاتها, أنا فتحت لها الأبواب والمجالات للدخول الى معترك الحياة و جذوة المجتمع ,وفرت لها كل ما استطعت لمساعدتها في بناء شخصيتها وتحسين حالها حتى تحملت اعباء مالية لأجلها ولأجل اسرة أخي التي هي أحد أفرادها , أتحت لها مناخا من اللقاءات مع مجموعة من الأصدقاء من أهل العلم والفكر , وفرت لها غطاء للتعامل الثقافي مع هؤلاء الاصدقاء قل ما توفر لقريناتها ,من البنات في مجتمع مثل مجتمعنا , إنك تظلمني حين تحملني المسؤولية , قلت له . أنا أعرف كل هذا وهذا ما دفعني الان للمجيء اليك وللمراهنة على موقفك في تفهم موقفي اولا ومساعدة هيفاء للخروج مما تعانيه , ربما كان هناك بعض الخطأ في هذا المناخ الذي وفرته لها أنت دون قصد منك , ولا أريد أن أضايقك لكنني لي الكثير من التحفظات على بعض الأشخاص ممن يترددون إلى منزلك واللذين تعتبرهم أنهم على مستوى من الخلق والعلم , وهذا كله ليس مهما الان بل علينا أن نتفق على ما يجب عمله ,
قال بطريقة أبدت رغبته بعدم التوغل في الحديث عن عالمه , حسنا أنا جاهز
كانت لقريتنا طبيعة خاصة ,كانت تلك الندوب البازلتية المنبعثة من التلال المجاورة كأحداق( ميدوزا) توحي بقسوة هذه الطبيعة وكان فصل الشتاء برياحة العاصفة وبرده القارص هو الوجه الطبيعي لهذه البيئة ,كانت بيوت القرية تنبسط على رقعة ذات امتدادات اربعة آخذة بالتوسع باتجاه سهولها الشاسعة و المحاطة بمجموعة صغيرة من التلال منبسطة على مساحة مستقيمة من الارض البركانية ذات التربة الحمراء تحتضنها سلسلة من الجبال المتمددة من جنوب غربها ألى جنوب شرقها يتخللها بعض الفجوات التي تسمح للتيارات الهوائية أن تجعل مساءاتها مسرحا لمداعباتها المزعجة في معظم الأحيان ,كان هذا المنظر الذي يراودني من صغري بأن العالم ينتهي عند ذلك الافق المرصوص بتلال متناثرة من الشمال والغرب وتلك السلسلة الجبلية جنوبا كأنما على هذا المتكأ تستند عليه السماء ,
في هذاالمناخ وبعد مغيب الشمس كنا نسير أنا وعمها باتجاه بيت هيفاء وكان الطريق الترابي الذي يتوجب علينا أن نقطعه اكثر من كيلومتر يتخلله ارتفاع مستمر للوصول إلى ذلك الكتف المرتفع حيث يقع بيت هيفاء
كانت هذه المسافة وهذا الجو اللطيف الذي تبقى من انفاس ايلول كفيلان أن يتيحا المجال لمزيد من الأحاديث الوجدانية المنفلتة من مشاعرنا والتي جعلت الدمع يطفح مرات عدة في عيون عمّها وهو يشير لبعض الظروف التي يعاني منها هو كرجل مع هذا المجتمع الجائر فكيف لفتاة بعمر هيفاء ,
كأنما الدجى بدأ يبدد الحرج من مألوفنا وتلك النسمة المستيقظة من أهداب المغيب تحرض على التمرد ’ قال لي هناك اشياء أن لا تعلمها ولن تعلمها عني,لكنني أأوكد لك أن هذا المجتمع مجتمع متوحش على الرغم من كل علامات البساطة وملامح الطيبة التي تعتلي قسماته ,أنت تعرف اسرتي وفاقتها وفقرها, نشأنا أنا وأخي في هذا البيت وأختايَ اللواتي تزوجن في سن مبكرة وانتشلتهما الأقدار من بيئة معدومة وبيقت مع أخي نتحمل صلف الناس على والدي وصلف الأطفال علينا كنا نشعر منذ نعومة اظفارنا بهذا العجز المميت وهذه الدونية التي ننتمي اليها كأسرة كاملة كان أخي الأكبر نتاجا طبيعيا لتلك البيئة فهو كما تراه انسان مستلب ضعيف الشخصية مستسلم لأنه نشأ وكبر وتعود على حاله تعود على الإنصياع وعدم المواجهة وتعود أن يبتسم ساخرا حين يسخر منه الأخرين , أخي تعود ورضي بواقعه كما يقول نعيش كما عاش والدنا وهذا قدر أخذناه بالوراثة ,لكن أنا لم أستطع أن أتعود ولا أن أقبل هذا الواقع , منذ كنت صغيرا كنت أبحث عن مخرج من هذا الواقع وكنت اتقرب إلى أبناء العائلات المتنفذة واوطّد العلاقة معهم وأتحمل صفاقة واحد كي أحمي نفسي من صفاقة الأخرين ,كان أكثر ما يزعجني المتوددين الذين يشعرونك بالإهانة من خلال تصنعهم وابتذالهم في التعامل معنا , كنت أشعر بمنيتهم وهم يشعرونني أنهم يتواصعون لأجلنا , هكذا وجدت نفسي رافضا لهؤلاء المحسنين بعواطفهم ةقررت أن اجد لنفسي مكانا مرموقاََ وتطورت معي لغاية المرحلة الإعدادية كنت قد بدأت أحول هذه العلاقة إلى الندية ,كنت لا أتوانى عن اية فرصة تمنحني بعض الإمتياز والقوة ,وكنت الجأ إلى الحيلة والحنكة بل أستطيع أن اسميها الحكمة وكنت اتحاشى المواجهة بقدر الإمكان ,كنت ابذل جهدا في الدورات الكشفية كي اتميز خاصة في مرحلة الشبيبة ,
حين اضطررت أن أترك الدراسة بعد وفاة والدي
كنت أدرك حجم الخسارة ,لكنني وضعت نصب عيني أن اكمل بتقديم الثانوية العامة تقديما حرا و بدأت استغل كافة الفرص حين تقع في متناول يدي بل كنت أتسلق اليها , انتسبت إلى الحزب , وكنت على علاقة جيدة مع الأعضاء البارزين
وبدأت أحقق لنفسي مكاسب حزبية تعززت بخروجي من الدائرة الضيقة وربما بدأت علاقات من نوع اخر مع من هم على مستوى أرفع وكانت الفرصة جيدة كي أحقق اعتباري , وقد حصلت على الثانوية العامة اثناء خدمتي العسكرية مما أتاح لي التمتع ببعض الإمتيازات التي تنامت خلال هذه التجربة , وقد استغليت علاقتي بتسهيل انخراطي في حقل التدريس وأصبح اسمي الأستاذ عزمي هذا اللقب الذي كنت مستعدا أن أد
فع نصف عمري للحصول عليه , وهنا بدأت أحقق ذاتي وأخرج من دائرة التبعية إلى دائرة المنافسة أو إلى تبعية أخرى تجدي نفعا , ربما كان لي هذه المرة مراكز قوى من نوع أخر أبعد وأوسع من حدود القرية ,
كنت استمع اليه بصمت ولا أحاول مقاطعته لأجد أجوبة على كافة تساؤلاتي التي تدور بنفسي ولأحل كافة الألغاز التي كانت معقدة في شخصيته ,
كنا قد اقتربنا من بيت اخيه وكانت هذه المرة الأولى التي ادخله ,
كانت رائحة الفقر تفوح من داخل هذا البيت بشكل نافذ , كان والدها رجل بسيط صعيف البنية وضعيف الشخصية اجتماعيا , الفقر يحبط الرجال الأقوياء ويسلبهم كبريائهم فكيف الضعفاء منهم , كانت والدتها اكثر ضعفا وسذاجة وتنتمي إلى اسرة اكثر بؤسا وكان الأمر الطبيعي أن تكون نهايتها في بيئة مسحوقة و مغلوبة على أمرها ,
كان المنزل يفتقر الى ابسط وسائل التحضر , حتى الكهرباء لم تصله بعد بسبب ابتعاده عن القرية وكونه يقع في منطقة زراعية وغير منظمة بعد , ,حين دخلت مع عمها وجدت فوضة مربكة في اثاث الغرفة المكون من عدة مفارش غير متجانسة والوسائد المتناثرة كمساند للإتكاء , كنت أحاول أن أخفض نظري ولا اسمح له ان يجول وسط هذه الفوضى كل لا ازيد ارباكهم ,
كان الترحيب من والديها حاراََ وكانت وادتها تبالغ به أكثر , في هذه الأجواء كنت الفتاة تنظر نحوي بخبث مصطنع مع ابتسامة تبلغني شماتتها لأن والدتها تحلق خارج سمائنا , أنقذ عمها عزمي الموقف حين
طلب منهم أن يدعونا نتحدث الى هيفاء بمفردنا لمعالجة أمر هام , وسط دهشة وارتباك رحب والديها بالأمر
وقررنا ان نخرج نحن الى فناء الدار الذي كان عبارة عن ارض برية دون أي سياج , ارضها تراب وسمائها مظلة مرصعة بالنجوم ,
جلسنا على دكة حجرية مغطاة بمفرش كالح ومهترىء في الوقت الذي حضر به الشاي,
تناولت الحديث وقلت لهيفاء سنبدأ من حيث انتهينا عصر هذا اليوم لأننا توصلنا أنا وعمك إلى ذات المسافة التي توصلنا اليها انا وأنت, ونحن الثلاثة متفقون على الإلتزام بكل ما يتفق عليه الأن هل أنتِ جاهزة ؟,قالت هيفاء بمنطق حازم كمن سيقوم بعملية حربية أنا مستعدة وأعدكم بالإلتزام ,قلت لعمها وأنت هل ستلتزم بدورك الرئيسي في هذه المهمة ؟ , أجاب بالتأكيد اخذا زمام الحديث , إبنة أخي نحن في غابة من الذئاب والمنطق يقول أن نتقي شرهم ونبتعد عنهم ,تصرفاتك وحركاتك في الأونة الأخيرة أثارت فضول البعض وحركت كيد البعض الأخر وشجع الإنتهازيين على الاصطياد بالماء العكر ,
نحن حاولنا ان نفهم ما حدث وما يحدث كي نخرج من هذه المسألة لا كي ندينك , لكنك ستدانين من الان وصاعدا سيحسب عليك تصرفك إذا كان خطأ وستدفعين الثمن بمفردك , هنا شعرت بأن لهجته أخذت تتجه إلى مسار لا يخدمنا وبه من التهديد ما يضر أكثر مما ينفع ,
قلت اولا يا صديقتي عليك ان تغيبي عن الأنظار وتدعي الناس تنسى قليلا , على شرط أن تظهري من وقت لأخر لكن ليس بمفردك بل برفقة عمك ,أريد منك أن لاتسيري في اي مكان بمفردك وأن تلتزمي بالظهور دائما من خلال عمك , على الأقل مدة 3 شهور وبعدها تقيمين انت أكثر من غيرك ردود الفعل عند الفضوليين ,في هذه الأثناء عليكي ان تستغلي هذا الوقت بالمطالعة المنهجية والمحددة بكتب ادبية , في الوقت نفسه سنجلب لك كتب الثانوية العامة القسم الأدبي وتبدأين بدراستها منذ الان اي قبل عام من الاستحقاق , وحين تعودين الى سلم المجتمع بخطوات ثابتة ستكون المهمة الاولى ايجاد عمل لك وهذه مهمة عمك كونه يستطيع الاستفادة من بعض علاقاته ,
ة ,كانت الفتاة تبدو راضية ومقتنعة لما
اتفقنا عليه وأكدت لي تعاونها شاكرة لي اهتمامي بها ,وبعد قضاء حوال ثلاث ساعات عدت ادراجي بصحبة عمها بعد ان طلبت منها الكتاب وأكدت لها انني سأعيده بعد بواسطة عمها ..
,
ودعت عمها وعدت إلى بيتي مسرعا لتصفح هذا الكتاب .
كان حجم الكتاب 327 صفحة وكنت عازما على قرائته تلك الليلة لكن
ما وجدته بين سطوره جعلني اقرأ أتلكأ في قراءة الكتاب واضيع بين سطوره
كان الكتاب يحتوي على اضافات وملاحظات كثيرة مكتوبة بقلم الرصاص
وكانت بعض التوصيات في الصفحةالأول بجوار الهامش
منها ..
إذا أردت أن تتجنب القلق,فأفعل ما فعله سير وليم أوسلر: عش في نطاق يومك ولا تقلق على المستقبل.عش اليوم حتى يحن وقت النوم.
عندما تأخذ المشكلات منك ولا تستطيع منها فكاكا ً,جرب الطريقة السحرية التي فعلها ويليس كاريير.
هيئ نفسك ذهنيا ً لقبول أسوأ الاحتمالات إذا لزم الأمر.
-حاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من هذا الاحتمال الذي هو أسوأ الاحتمالات ,والذي أعددت نفسك نفسيا ً لقبوله.
-عندما أحاول استخلاص الحقائق أتظاهر كأنما استخلصها لا لنفسي وإنما لشخص أخر وهذا الاتجاه الذهني يساعدنا على اتخاذ نظرة محايدة إلى الحقائق مجردة من العاطفة.
لا أدري لماذا كنت ارى هيفاء وسط كل هذا الكلام وكنت اضع نفسي بمكانها لأرى ما يحدث لي من تأثير
وهنا هذه الفقرة ايضا
(-استخلص الحقائق المضادة لمصلحتي ثم أدون المجموعتين من الحقائق التي من مصلحتي والتي تنافي مصلحتي وأدرسها جيدا
وغلبا ً ما أجد الرأي السديد شيئا ً يتوسط هذين النقيضين.)
ما زلت اعتقد وقد أكون مخطأ أن هذا الكتاب هو ما جعل هيفاء تنعطف بفكرها وتتحول الى عابثة ومستهترة
(حياتك من صنع افكارك.
إن للأفكار المسيطرة على المرء تأثيرا ً عظميا ً في تكييف حياته.
فإذا نحن راودتنا أفكار سعيدة كنا سعداء ,وإذا تملكتنا أفكار سقية أصبحنا أشقياء ,وإذا ساورتنا أفكار مزعجة غدونا خائفين جبناء,وإذا سيطرت علينا أفكار السقم والمرض فالأرجح أن نمسي مرضى سقماء ,وإذا نحن فكرنا في الفشل أتانا الفشل من غير إبطاء ,وإذا قمنا بندب أنفسنا ونرثي لها اعتزلنا الناس ,وتجنبوا عشرتنا .
المواجهة تعني إدراك كنه المشكلة واتخاذ الخطوات الايجابية اللازمة لحلها في هدوء واتزان .وأما القلق فيعني اللف والدوران حول المشكلات من غير وعي ولا إدراك. )
رأيت اشياء كثيرة في هذا الكتاب على الرغم من اهميته في فلك الفلسفة لكنه ربما كان له تأثير سلبي على فتاة مازالت في ريعانها الفكري وتشتتها العاطفي وتضاربات احلامها وامالها خارجة من الواقع من بابه العريض , أدركت وفهمت كافة الظروف التي دفعت هذه الفتاة لما وصلت اليه, لم يكن سببا واحدا بل كانت مجموعة اسباب تلاقت وشكلت هذه الإنعطافة في شخصيتها ,ضحكت وأنا أقرأ بعض الجمل والكلام المأثور بين سطور الكتاب , عرفت ماذا يريد أن يوصل الأستاذ من خلال اعارتها هذا الكتاب ولم يفوتني أن الفت نظر هيفاء في زيارتي لها بعد أن أنهيت قرائة الكتاب , قالت لي نعم انك على حق ولسنا بصدد تصرفاتة المبطنة , لكن اعدك من الان فصاعدا سأكون محصنة حتى في قراءاتي.
بدأت تستعيد ذاتها وتوازنها وعادت إلى طبيعتها وسلوكها القديم الا من تلك الغمامة المغلفة بالحزن التي لا تفارق نظرتهاهناك شيء غامض كأنما كانت تستشعره في بواطن الايام التي لم تمهلها كثيرا .
كان الهدوء قد غمر كل شيء وسادت السكينة في نفسها كأنما تنتظر فارس الحلم , دأبت الحياة على هوينة وصعدت أدراج الغيم هناك على منصة من غمام أسدلت جفونها تداعب مخابىء النوم وغابت في سبات عميق .
تركت خلفها إشارات تعجب وإشارات استفهام.
أهكذا ذبلت في ريعان العمر ومازال ربيعها يتكمم بالزهور ويوعد بالعطر ؟ هكذا ترحل مسرعة من غير وداع تاركة على الشفاه أسئلة أصبحت ميتة وفي العيون نظرات مفتوحة على الدهشة .
هكذا رحلت واصبحت ذكرى تلاشت في أذهان الناس وبقي منها القليل في النفوس النظيفة التي اقتربت منها ذات يوم لتمسح جبينها براحة بيضاء لا يشبه طهرها سوى أكف الانبياء .
السبت ديسمبر 25, 2010 10:16 am من طرف حنين
» وقف الزنبق
الإثنين ديسمبر 20, 2010 5:29 am من طرف تيسير نصرالدين
» النوايا الطيبة
الأحد ديسمبر 19, 2010 2:22 pm من طرف تيسير نصرالدين
» عتابا
الأحد ديسمبر 19, 2010 1:27 pm من طرف تيسير نصرالدين
» أغاني
الأحد ديسمبر 19, 2010 4:13 am من طرف تيسير نصرالدين
» دلعونا
الأحد ديسمبر 19, 2010 3:39 am من طرف تيسير نصرالدين
» شقوا الستارة
الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 4:15 pm من طرف تيسير نصرالدين
» قرّادة وموشّح مع الدكتور زياد قبلان
الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 4:14 pm من طرف تيسير نصرالدين
» سواليف
الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 12:23 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة من إعدادي
الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» ديوان ليل وقمر
الإثنين ديسمبر 13, 2010 6:58 am من طرف تيسير نصرالدين
» مدونة القصة
الإثنين ديسمبر 13, 2010 6:36 am من طرف تيسير نصرالدين
» اهلا وسهلا بكم
الإثنين ديسمبر 13, 2010 5:16 am من طرف تيسير نصرالدين
» عطور القوافي
الأحد ديسمبر 12, 2010 11:09 am من طرف تيسير نصرالدين
» أخت ذاك القمر
الأحد ديسمبر 12, 2010 10:46 am من طرف تيسير نصرالدين